مصر أم الدنيا ، عبارة تاريخية رددها معظم زعماء مصر عبر التاريخ …هل لأنها واجهت من الأزمات ما لم تواجهه كل الأمم ؟ ربما ،لكن المؤكد أن المحن تمر على مصر المحنة تلو الأخرة ،وهى كما هى صخرة يتحطم عليها الأزمات والأطماع …هل يعلم أحد منا مقدار ما عانته عبر التاريخ ؟فعلى سبيل المثال حركات التأميم عبر الزمن ،كان أولها :فى عصر الفراعنة وعلى يد نبى الله يوسف عليه السلام عندما رأى فرعونة مصر فى نومه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ،ولم يصل لتفسير ذلك الا سيدنا يوسف وبوحى من الله -عز وجل – أن سيمر على مصر سبع سنوات خير ورخاء ،وبعدها سبع سنوات عجاف يأكل المصريون مما زرعوه … ولما كان الأمر جلل ،ويستحق البحث عن الرجل المناسب لهذه المرحلة ! طلب سيدنا يوسف أن يكون وزيرا لمصر ؛ليحسن التدبير فى زراعة مصر واقتصادها ،فكان له ما طلب ،بهذا فرض على المصريين قانون التأميم لكل أرض مصر ليحفظ للمصريين حق الرعاية والطعام والاحتيجات خلال السنوات العجاف ،ولم تكن مصر تطعم أهلها فقط بل شملت الرعاية كل المنطقة المحيطة بها ..فهذا قدر مصر عبر العصور .وجاءت المرحة الثانية :عندما حاول التتار الاقتراب من حدود مصر فى عصر المماليك وخاصة المملوك قطز الذى طلب الدعم من أمراء مصر والاغنياء والاعيان والكل للأسف لم يستشعر حجم الخطر الذى تمر به البلاد ،فكانت فتوى الشيخ العز بن عبد السلام بالتأميم ،مع مرعات أن يترك لهم قطز ما يكفيهم وأسرهم ،ويأخذ الباقى لصالح الدولة لأنها فى خطر وجودها واستقرارها ،وبهذاةاستطاع قطز تجهيز الجيش ومواجهة العدو فى تكتيك لم يعتد عليه التتار ،ويتلخص فى نقل الحرب خارج البلاد وليس داخلها لتظل مصر فى أمن وأمان ،حتى انتصر الجيش المصرى فى ملحمة تاريخية يتعجب لها كل المتربصين بمصر قديما وحديثا وكان النصر المبين عندما وقف الشعب والجيش فى ملحمة عظيمة بكل المقاييس . اما المرحة الثالثة :كانت فى عصر محمد على باشا عندما قام بتغيير النظام الاقتصادى لمصر من نظام الالتزام العثمانى الى نظام الاحتكار فأصبح محمد على باشا المزارع الوحيد والصانع الوحيد والتاجر الوحيد ،فقسم الأراضى المصرية الى وسايا فى الريف وتكايا فى المدن لرعاية المصريين ،وبذلك كان أول محاولات الانفصال عن الخلافة التركية وتكوين الجيش المصرى الذى خرج فى ذلك الوقت لضرب الأراضى التركية ولم يرجعه الا ضرب الاسطول المصرى من الروس وتدخل الدول الأوربية لتحجيم الدور المصرى .وكانت المحاولة الرابعة : على يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذى فقد الأمل فى كثير من رؤس الأموال والاقطاع أن يساعدوا مصر ويشاركوا فى عملية البناء والتعمير ،فلم يجد منهم غير الخلاف ،ومحاولة افشال الدولة الوليدة ،فأقر قانون التأميم وبصورة شديدة الشبة بالصورة التى قام بها قطز ،فقد أقر لكل فرد خمسون فدانا وللأسرة ٢٠٠فدان وأن يختار من قصوره قصرا واحدا ويعود الباقى للدولة…كأنه لا يريد لهم تعجيزا أو اقتطاعا عن دولتهم ،حتى يستطيع مواجة كل الظروف المحيطة بمصر وقتها ،وأيا مايكون من الناس التى تتفق أو تختلف معه فى ذلك لكن الانصاف أن نذكر أنه السبيل الوحيد لإعادة الحياة إلى طبيعتها فى مصر لأن الفارق الاجتماعى بين الناس فى مصر كان كبيرا جدا ،وبصورة يكفى أن نعلم منها تشجيع جمعيات خيرية لمكافحة الحفاء مثلا ،رغم أنهم أصحاب الأرض والممتلكات التى أخذها منهم محمد على باشا من قبل فى حركة تأميممه السابقة على مصر ،والمحصلة فى النهاية ،أن استطاع جمال عبد الناصر بناء المصانع التى نقلت مصر نوعيا إلى مصاف الدول الصناعية ،فهل يعلم أحد أن مصر كانت تصنع أجزاء كبيرة للطيران مثل المحركات النفاثة وأجهزة الملاحة الجوية والتوجيه والتحكم ،فى شراكة مع الهند التى تصنع الجسم الخارجى لألات الطيران ،أم هل يعلم أحد أن مصر كانت تصنع السيارات وتصدرها إلى دول إفريقية وعربية وأوربية أيضا مثل يوغسلافيا ،سواء فى ذلك النقل الثقيل أو العربات الملاكى على سبيل المثال لا الحصر العربة النصر الملاكى أو الأتوبيسات أو النقل ؟ هل يعلم أحد أن مصر تصدر منتجاتها الزراعية وما يقوم عليها من صناعات إلى إفرقيا فى منافذ بيع باسم مصر للمجمعات الاستهلاكية ؟ بل هل يعلم أحد أن مصر شاركت فى حركات التحرير لكثير من الدول الإفريقية والعربية ووضعت على رأس هذه الدول رؤساء وزعماء مازال منهم من يدين بالولاء والعرفان بالجميل لمصر إلى الأن ؟!هذه مصر التى يعرفها التاريخ والتى يعرف قدرها الكثير من الباحثين والدارسين عبر العصور فحقا هى مصر أم الدنيا ا…